يحرم ضدّه، أو يجب مقدّمته» وكذلك العلم بالموضوعات، فإذا قطع بخمريّةشيء فيقال: «هذا خمر، وكلّ خمر يجب الاجتناب عنه» ولا يقال: «إنّ هذمعلوم الوجوب، أو الخمريّة، وكل معلوم حكمه كذا» لأنّ أحكام الخمر إنّمتثبت للخمر، لا لما علم أنّه خمر. والحاصل: أنّ كون القطع حجّة غير معقول،لأنّ الحجّة ما يوجب القطع بالمطلوب، فلا يطلق على نفس القطع(1)، إنتهىكلامه.
على أنّا لا نسلّم كون الحجّة عبارة عن الوسط الذي به يحتجّ على ثبوتالأكبر للأصغر ـ كما اختاره الشيخ رحمهالله ـ بل الحجّة عبارة عمّا يصحّ للمولى أنيحتجّ به على العبد وبالعكس، ولا فرق في ذلك بين القطع والأمارات.
نعم، ما أفاده في ذيل كلامه من قوله: «والحاصل: أنّ كون القطع حجّة غيرمعقول، لأنّ الحجّة ما يوجب القطع بالمطلوب، فلا يطلق على نفس القطع»يمكن أن يجعل وجهاً مستقلاًّ آخر لخروج أحكام القطع من مسائل الاُصول.
توضيحه: أنّ كلّ مسألة اُصوليّة لابدّ من أن يصحّ جعل نتيجتها كبرىلقياس به يستنبط حكم شرعي كلّي، كما يشير إليه صاحب الكفاية في موارد
عديدة.
وهذا الملاك يجري في الأمارات دون القطع.
أمّا جريانه في الأمارات فلأنّا إذا قلنا بحجّيّة ظواهر الكتاب مثلاً، وضممنإليها ظهور قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِفَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ»(1) في وجوب صلاة الجمعة، استنتجنا منهمأنّ وجوب صلاة الجمعة حكم شرعي ثابت في حقّنا.
وأمّا عدم جريانه في القطع فلأنّ القاطع يعلم بالحكم بصرف القطع مندون حاجة إلى تشكيل قياس الاستنباط، وهذا واضح فيما إذا تعلّق بنفسالحكم، وأمّا إذا تعلّق بالموضوع ـ كالقطع بخمريّة مايع ـ فلأنّ القطع به يستلزمالقطع بحكمه من دون حاجة إلى شيء آخر أصلاً.
وبعبارة اُخرى: المسألة الاُصوليّة لابدّ من أن تكون مقدّمة للمسألة الفقهيّةوطريقاً لاستكشاف الحكم الفرعي الإلهي، مع أنّ الأمر في القطع بالعكس،فإنّ القطع بالحكم الشرعي متقدّم على مسائل القطع، لكونه مأخوذاً فيموضوعاتها، فإنّا إذا قطعنا مثلاً بوجوب صلاة الجمعة أو بخمريّة هذا المائعنبحث في أنّ القطع بالحكم هل يترتّب على موافقته استحقاق المثوبة، وعلىمخالفته استحقاق العقوبة أم لا؟ ولا ريب في أنّ استحقاق المثوبة والعقوبةوعدمهما أحكام عقليّة لا شرعيّة.
والحاصل: أنّ أحكام القطع خارجة عن مسائل علم الاُصول.
ويؤيّده أنّ القدماء لم يبحثوا في كتبهم الاُصوليّة عنها، بل حدثت في لسانالمتأخّرين.
كلام السيّد البروجردي رحمهالله في المقام
ج4
خلافاً لسيّدنا الاُستاذ البروجردي رحمهالله ، حيث قال بعد نقل كلام المحقّقالخراساني رحمهالله : أقول: بل هو من مسائل الاُصول، ولا شباهة له بالكلام أصلاً.
أمّا الأوّل ـ أعني كون مبحث القطع من مسائل الاُصول ـ فلما عرفت فيمحلّه من أنّ موضوع علم الاُصول هو عنوان «الحجّة في الفقه» وعوارضهالمبحوثة عنها في الاُصول عبارة عن تعيّناتها وتشخّصاتها الخارجة عنهمفهوماً المتّحدة معها خارجاً، كخبر الواحد والكتاب وغيرهما من الحجج،ولا نعني بالحجّة ما يقع وسطاً للإثبات كما عرفته ونسب إلى المنطقيّين أيضاً،مع أنّ المنطقي يطلقها على مجموع الصغرى والكبرى لا على الأوسط فقط.
وكيف كان، فليس مرادنا بالحجّة التي نجعلها موضوع علم الاُصول ذلك،بل المراد بها ما يحتجّ به الموالي على العبيد والعبيد على الموالي في مقام الامتثالوالمخالفة.
وبعبارة اُخرى: هي ما يكون منجّزاً للتكاليف الواقعيّة، بمعنى أن لا يكونالعبد معذوراً في مخالفتها في صورة المصادفة ويكون معذوراً إذا عمل بهوخالف الواقع، وهذه الآثار كلّها تترتّب على القطع كما لا يخفى، فهو أيضاً منأفراد الحجّة ومن تعيّناتها، فالبحث عنه بحث اُصولي، وعدم تعرّض القدماءله، من جهة وضوح مباحثه عندهم، وإن شئت تفصيل المطلب فراجع إلى مذكرناه في موضوع علم الاُصول.
وأمّا الثاني ـ أعني عدم شباهته بمباحث الكلام ـ فلأنّ غاية ما يمكن أنيقال: هو دخول المسألة في مسألة «ما يصحّ على اللّه وما يقبح» أو في مسألة«ثبوت العقاب في يوم الجزاء» وهما من المسائل الكلاميّة.
ولكن يرد على ذلك أنّ المبحوث عنه في الاُولى هو أنّ اللّه تعالى يصدر عنهالحسن ولا يصدر عنه القبيح، وأمّا تعداد صغريات القبيح فليس مربوط